خـاص
ما بلغ مكتب وزير الداخلية أحمد الحجار لا يدع مجالاً للشك: الاقتراح المعجّل المكرّر الذي قدّمه النائبان “التغييريان” المقرّبان من رئيس الحكومة، مارك ضو ووضاح صادق، والذي يتضمّن بنداً يدعو إلى تأجيل تقني للانتخابات البلدية والاختيارية حتى نهاية تشرين الأول المقبل بذريعة تطبيق الإصلاحات، يحمل بصمات رئيس الحكومة نواف سلام. الأخير، وفق ما تشير المعطيات، يدير هذا المسار من وراء الستار، مستخدمًا نوابه يعاونوه كواجهة لتنفيذه.
لكن ما الذي يدفع سلام إلى هذا الخيار في هذا التوقيت؟ ولماذا يرى الحجار أن سلام هو العراب الفعلي للاقتراح؟
في الشكل، يقدّم سلام وفريقه مقاربة “إصلاحية” تقول إن تأجيل الانتخابات يهدف إلى تحسين جودة الإستحقاق البلدي. لكن في العمق، ثمّة ما يتجاوز الإصلاح. فبحسب مطّلعين، يُراد من التأجيل استخدام الاستحقاق كورقة ضغط سياسية في مواجهة الثنائي الشيعي، في ظل تقدير أن الظروف الحالية تمكّن الأخير من تحقيق مكاسب واسعة، مقابل غياب جبهة شيعية قادرة على التغيير أو حتى خوض معركة جدّية في وجه “المحدلة”.
ثمة قضية أخرى مرتبطة بالمجالس البلدية في المدن الكبرى، حيث يهدد الاشتباك حول المناصفة فيها إستقرار المدن لاسيما العيش المشترك فيها. لذلك فإن ما ورد في الإقتراح حيال اللوائح المقفلة يضمن مسألة المناصفة ولا يمسها.
أما البُعد الثاني، فهو أكثر حساسية، حيث أنه يزيد من فعالية وقوة الإشتباك السياسي الناشئ مع رئاسة الجمهورية، حيث أن الاخيرة تعتبر أن إجراء الاستحقاق البلدي في مستهل العهد نقطة إيجابية تسكل له. وليس سراً أن رئيس الجمهورية الجمهورية جوزاف عون وفريقه، يدفعان بقوة نحو إجراء الاستحقاق في موعده، كرسالة واضحة على التزام العهد بالإصلاح.
ثمة إتهامات توجه إلى رئيس الحكومة بأنه الأب الروحي لفكرة التأجيل التقني المحدود للانتخابات البلدية، عبر إقتراح قانون ضو – صادق، وهو ما كرّس وزير الداخلية عنصراً وقف في مواجهته
من هنا، كان لا بد لوزير الداخلية أن يكون له دور في التصدي لمصلحة رئاسة الجمهورية بالطبع، بعدما ظهر أنه يحسب عليها سياسياً لا على رئيس الحكومة، وهو ما تجسد بالفعل زمن التصويت على تعيين كريم سعيد حاكماً لمصرف لبنان، حيث إنصرف الحجار للتصويت لمصلحة الخيار الرئاسي لا خيار رئيس الحكومة. وهو ما أدى إلى إنزعاج لدى السراي، ما ما فتح الباب على مصراعيه أمام اشتباك سياسي مباشر مع رئيس الحكومة، في حلقة جديدة من النزاع التاريخي بين رئيس الحكومة ووزير الداخلية.
وفي كلام منقول عالي النبرة، يعتبر الحجار أن اقتراح التأجيل “هرطقة سياسية”، لا يلزمه بشيء، الآن، لذلك قرر الرد عليه بثلاث خطوات:
-
أولاً: رفض الاعتراف به طالما لم يُدرج على جدول أعمال أي جلسة نيابية
-
ثانياً: وصفه بأنه اقتراح نابع من خلفية سياسية لا إداري
-
ثالثاً: اعتبره غير قابل للتطبيق في هذا التوقيت
وبناء على ذلك، سارع إلى دعوة الهيئات الناخبة، كخطوة استباقية لإسقاط أي إمكانية لتأجيل تقني محتمل، وقطعاً للطريق أمام أي إقتراحات، وما ينقل يؤكد جدّية وزارة الداخلية ومن خلفها قصر بعبدا لإجراء الاستحقاق البلدي.
في المقابل، لا تنفي أوساط سياسية مطّلعة أن سلام ألمح، في أحد مجالسه الخاصة، إلى تفضيله تأجيلاً محدوداً جداً، مشيراً إلى أنه ناقش الأمر مع جهات سياسية ولم يلمس اعتراضاً لديها. وهذا، وفق ما تقوله مصادر متابعة، هو ما يفسّر حالة الجمود الانتخابي المسيطرة حتى اللحظة على أكثر من دائرة.