خــاص
في الوقت الذي ترتفع فيه نبرة الخطاب السياسي المسيحي دفاعًا عن المناصفة في بلدية بيروت، تُسجَّل مفارقة لافتة على أرض الواقع: انسحاب كامل أو شبه كامل للأحزاب المسيحية من تعهداتها حيال ناخبي الدائرة الأولى في العاصمة بيروت بتأمين تكاليف الحملات الانتخابية ومصروف المندوبين وتكاليف يوم الانتخاب لتشجيع عملية الإقتراع، على رأسها التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، في مقابل تقدّم لافت للتمويل السنّي ممثلاً بشخص النائب فؤاد مخزومي.
اللافت أن الحديث عن “كسر المناصفة” و”توازن العاصمة” لم يقابله أي جهد ملموس من هذه الأحزاب لترجمة هذا الهواجس إلى أدوات عمل ميداني. فقد غابت التغطية المالية، وتُركت الحملة من دون مقومات تنظيمية ولوجستية فعلية. هذا السلوك لا يعكس فقط ضعفاً في الجاهزية، بل يكشف عن تناقض بنيوي بين الخطاب والممارسة: خطاب يحشد طائفياً، وممارسة تتنصّل من مسؤوليات المعركة.
في ظل هذا الفراغ، برز رئس حزب “الحوار” النائب فؤاد مخزومي كالممول الوحيد للمعركة، ما يطرح سؤالًا جوهرياً: من يقود لائحة الائتلاف فعلاً؟ الأحزاب المسيحية أم المموّل السني؟
ثمة هوّة واضحة، بين مطالب الأحزاب المسيحية والممارسة الفعلية على الأرض، بحيث ترتفع الشعارات في مقابل التخلي عن الآليات التي يُفترض أن يتم تحقيقها عبرها
هذا التداخل يطرح إشكالية التمثيل الحقيقي للشارع المسيحي، ويمنح مخزومي – من دون خوض معركة مباشرة – أوراق نفوذ داخل البيئة المسيحية البيروتية، ما يبدّل قواعد اللعبة التقليدية.
الأخطر أن يُستخدم شعار “المناصفة” كأداة تعبئة لا كقضية مبدئية. فغياب الالتزام الجدي من قبل القوى المسيحية يوحي بأن المسألة ليست سوى ورقة ضغط ظرفية، وليست معركة مصيرية كما يُسوَّق لها.
وهنا تكمن المفارقة الكبرى: الطرف الذي يدّعي الدفاع عن المناصفة، ينسحب عند أول استحقاق، فيما يتقدّم “الآخر” ليملأ الفراغ بشروطه وأجندته.